فصل: النوع الخامس: الطير الجليل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التعريف بالمصطلح الشريف



.النوع الخامس: الطير الجليل:

اعلم أن الطير الجليل المعتد به في الواجب عند رماة البندق أربعة عشر طيرا: منها ثمانية تحمل عندهم بأعناقها، وستة تحمل بأسياقها.
فأما الثمانية الأولى فهي: التم، والكي، والأوزة، واللغلغة، والأنيسة، والحبرج، والنسر، والعقاب.
وأما الستة الثانية فهي: الكركي، والغرنوق، والمرزم، والصوغ، والشبيطر، والعناز.
وهذه الطيور منها عشرة طيور الشتاء وهي: الكركي، والإوزة، واللغلغة، والأنيسة، والحبرج، والتم، والصوغ، والعناز، والعقاب، والنسر. والأنيسة أشرفها.
والأربعة الباقية طيور الصيف وهي: الكي، والغرنوق، والمرزم، والشبيطر.
وقال بعضهم: الإوز شتوي صيفي؛ وإنما قيل طيور الصيف والشتاء بحسب الوجدان.
ومن شرطهم استتمام خصال ثمان وهي: الأدب، والصدق، والشجاعة، والمروءة، والكرم، والمودة، والوفاء، والفتوة.
فأما قولهم: (الوجوه) فهو أن تقف الرماة إذا خرجوا إلى (البرز) مع طلوع الفجر- وهو أول وقت خروج الطائر من الماء- إلى حين طلوع الشمس؛ فما يصرعه في ذلك الوقت يسمى: (وجه غداة)؛ فإذا طلعت الشمس خرجوا من المقامات، وصبح بعضهم بعضا؛ فإذا خرج الطير وصرع في ذلك الوقت شيء يسمى: (وجه صباح) و(وجه مصبح)؛ فإذا كان لهم طائر يدخل الماء ويخرج منه فذلك يسمى: (وجه خوارج) و(وجه رواجع)؛ وأما (وجه العشاء) فهو أن لا يبقى من الطير في الصحراء شيء إلا ويأتي، وهو أوسع الوجوه وقتا.
فإذا خرجوا من (المقامات) باركوا في المصروع و(حملوه).
والتبريك والحمل أن يقول الرجل للطير المصروع: (بارك الله فيك) ثم يرفعه بيده. و(الحمل) يقوم للصارع مقام الشهادة.
والمقامات على قدر ما يقع في الخطة؛ ويقال لمن جاء في آخرها: بطيحة- والوقوف في مقام التحمل على قدر القدمة في الرمي.
ولا يقبل عندهم إلا شهاداتهم؛ والشاطر عندهم من كانت له صروع كثيرة وإحسان ونكت.
والإحسان أن يصرع الرامي طيرين من جفة، أو طيرين من زمزوم، أو طيرين من خمسة، أو من أربعة، أو من ثلاثة، أو أن يصرع (المصطحب): وهو أن يمر به طائران فيصرعهما جميعا.
والنكت هي صراع الأطيار الكثيرة من زمزوم وما أشبهه.
ومن اقترف منهم ذنبا عقد له مجلس: فإذا قطع الحاكم فيه- أي حكم عليه- نزل عن قدمته، ونودي عليه، وهذا هو (الإقعاد).
في ذكر البرز: وبرزنا للرمي ومعنا قسي لا تتشكى معها الأوتار، ولا تزال طالبة للطير بالأوتار؛ في رفقة قد خرجوا في طلق، وإخوان صدق أحدقوا بالملق؛ آثروا التغرب على حب الديار، وبدوا أقمارا طالعة في سحب الغبار؛ في وجوه ما منها إلا ما ليس له شبيه، وعرف بأن يومه ذو الوجهين وهو وجيه. مرة والشمس ما طلعت، ولا سرحت الغزالة في فضاء النهار ولا رتعت؛ ومرة غدا اليوم مع أمس، والتقم المغرب قرص الشمس؛ بينا ترى الطير سائرة، إذا من عينها بالساهرة؛ وبينما تكون رتعا، إذا بهم في محاريب قسيها ركعا؛ وقد أعددنا معنا من الجراوات كل حمراء تكن موتا أحمر، وتقذف نجوما تظل بها ذوات الأجنحة تقمر؛ وقد أكنت من البندق كل مرمية مرموقة، متفرقة وكلها من طينة واحدة مخلوقة؛ كأنها من حصى الجمار حيث تحذف، أو من شهود الزور- والعجب أن منها الجرح وهي تقذف؛ حتى أخذنا مواضعنا وللطير في الماء مواقع، كأنها من فوقه فواقع؛ فلم تزل حتى نكدنا لطيب عيشنا سرورها، ونقطنا بالبندق سطورها؛ ولم نعد حتى عدم بيننا الإعسار، وأثرينا بما كسبت أيدينا ملء اليمين نحمل قسينا باليسار؛ ولم يك بأسرع مما عاجلنا تلك الصرعى فحصلت، ولم نسأل بأي ذنب قتلت؛ ولم يبق منا إلا من عرف منهجه القويم، وعاد إلى مستقره يروي الحديث عن قديم.
فمن تم تم خلقه، وقدم على الطير المعتد به في الواجب بما أوجبه حقه؛ قد تميز شيده من قاره، وخاض منه النهار في الليل وغالى فيه فعلق برجله ومنقاره؛ حسن في خلقه المستتم، وحق لسناه المشرق أن يسمى بدر التم؛ فرماه ببندقة طال عليه بعدها الأسف، وأسقط عليه بعدها الأسف، وأسقط عليه كسفا وهكذا البدر إذا قابل كرة الأرض انكسف.
ومن كي أرزق الجلباب، قد أطرق إطراق الشروق وخف خفة الشباب؛ كأنه في تخييمه ثمامة، وفي تحويمه غمامة؛ قد مسح بجناحه على الماء، وأكل كل حوت إلا حوت السماء؛ فصوب إليه صائبة أصابه مقتها، ولم تعده لما ألم وقتها.
ومن إوز يمشي مشية المتمايل، ويهتز هزة المتخايل؛ قد تمايل إعجابا، ولبس من بياض ريشه وزرقته سنجابا؛ ينظر النظر الشزر لكثرة الارتقاب، ويلتفت تلفت الظباء إلا أنها زادت عليها بلين الرقاب؛ فلسعتها عقرب قوسه، وقل لديها أنصاره على كثرة خزرجه لديه وأوسه.
ومن لغلغ رفلت في جلابيب أخواتها، واشتملت على أكثر أدواتها؛ قد تطاير منها رماد عن لهب، وفتنت بعيون أحسن من ذي عين من الذهب؛ تحارب بسحر الحدق، وتشهد- لمشابهتها للترك- أن من قال: (شبيه الشيء منجذب إليه)، صدق؛ فلم يكن بأعجل مما رماها، وصرعها وكانت تظن أنه يتحاماها.
ومن أنيسة قد لبست من كل الألوان، وقل وجودها في كل أوان؛ لا توجد مثلها آنسة، ولا يلقى شبيهها ظبية كانسة؛ قد أصبحت لا تحدث إلا أخبارها، ولا يخير رام بينها وبين جليل الطير إلا يترك الكل ويختارها؛ فرماها ببندقة ألقتها يديه، وأصابتها في المقتل مع عزتها عليه.
ومن حبرج كأنه زهر روض منمق بين الزروع، أو فارس حرب خرج وعلى أكتافه صدأ الدروع؛ لا يجزع لطول بينه، ولا يخاف إذا سرح أن يصيبه الوتر بعينه؛ كأنه على ذهب يدرج، وإذا ذكر كل جليل كان حقيرا في جنب الحبرج؛ فأقصدته رمية عجل بها الرامي سريعا، فخر لديه صريعا.
وطار عليه نسر قد اصحر على إلف مثله في البيوت، وفر على أنه يسلم ولم يدر أنه يموت؛ قد شمر فاضل السربال، وأوى إلى الجبل ليعتصم به فلم يعصمه شيء من الجبال؛ عرف لعفافه عن الدماء بالخير، ونسبت إليه القبة المعروفة به فأصبح صاحب القبة والطير؛ لو صارعه كل الباع لصرعه، أو حلق مع أخويه: النسر الطائر والواقع لما طار واحد منهما معه؛ فتصدى له الرامي حتى رماه من قنته، وأخرج ملكه المحجب من قبته.
ثم طارت عليه عقاب من العقبان فتخاء كاسرة، مدرعة حاسرة؛ ما أمت سربا إلا انشعبت، ولا حملت على يد إلا وأضحت ترمي بظل ذي ثلاث شعب؛ قد فتكت بكل طائر حتى لم يدع لها قرنا، وسطت على الظباء فكم أهلكت قرنا. فرماها بحين من بندقه، وأراح منها كل ظبي في كناسه وطائر في أفقه.
ومر على إثرها كركي انسل من خيطه، وأقبل يستن في شوطه؛ كأنما جللته السماء بردائها، أو كسته لون الماء من تساقط أندائها قد شف لونا عن العنبر الورد، وزين الأفق لما حلق في شفقيه بذهب ولازورد؛ فعاجله الرامي في تعرضه، وعاجله ببندقة خر لديها- وأزرق الصبح يبدو قبل أبيضه.
فتبعه غرنوق حسن المجتلا، مقدم على الغرانيق العلا؛ قد أدرع مثل الزرد، وتوقد ضرمه ثم برد؛ كأنما أطبقت أجفانه على جمر، أو عصر من عنقود الثريا ما أوعاه في مقلته من خمر؛ فأصابه الرامي في جناحه، وعد تحصيله من أول نجاحه.
ثم حلق عليه صوغ كأنه رقيق غيم، أو متدرع بسلخ أيم؛ كأن بقية نرجس بفيه، أو ليل ذر على الصباح بين قوادمه وخوافيه؛ قد أتعب الرامي، وابعد عليه المرامي؛ إلا أن أجله أعجله، وأتاه على يده ما أجله ولا أجله.
ثم عارض مرزما، وعاين منه مثل نوئه منسجما؛ قد أبرز كميه بين درعيه، وتوقى من الصدر والجناح مصرعيه؛ فظل يدل بما عليه من جوشن مورد، وجؤجؤ عبل عليه درع مزرد؛ فلم يدافع حذارة ما حلق إليه، ولا أقبل إلا ورشاش الدماء عليه؛ فقام إليه على فرقه، ورماه فلم يخط ما بين مغرزه ومفرقه.
ثم استقبله شبيطر بنيته سوية، وآيته في تلقف الثعبان موسوية؛ يأكل الحية ولا يتشكى أوجاعا، ويلقم كل بطل ولا يدع شجاعا؛ قد تقاصر كل جليل عن قدره؛ وألقى جوشنه من جناحيه من وراء ظهره؛ وتلقى بصدره فقعد له وهو مرتفق، وسقاه بصوائبه كأسا منه لم يفق؛ فلما لم يبق إلا انصرافه من مقامه، وعوده بعد بأسائه في الطير وانتقامه.
عن له عناز قد تجلل بذوائبه، وأضاء برقه في جون سحائبه؛ وقد طلع في السواد منه مثل بدره، وتجلبب به إلا ما قل منه عن صدره؛ فتحلى من رياشه بما لم تجده العفر، وأشرق بياضه في السواد مثل نور هدى في كفر؛ فعجل له باستقباله الحمام، وكان لطيوره التمام.

.النوع السادس: طيور مختلفة:

الحمام الهدي: وهو الرسائلي. وأجوده الخضر والغر؛ فإذا اسود الحمام حتى يدخل في الاحتراق صار مثل الزنجي الشديد البطش القليل المعرفة. والأبيض وما ضرب فيه البياض لا يجيء من الغاية لضعف قوته؛ وعلى قدر ما يعتريه من البياض يعتريه من الضعف.
ويختار منها كل قصير المنقار، طويل العنق، طويل القوادم من غير إفراط، ولحوق الخوافي بعضهن ببعض، وصلابة القصب من غير انتفاخ ولا يبس، وعظم الفخذين، وقصر الساقين، وغلظ الأصابع، وقصر الذنب، وتوقد الحدقتين، وصفاء اللون.
ويقال فيه: وهو حمام علم منه ما علمت الجوارح، وذلل منه ما ذللت من الخيول الجوامح؛ وأخذت بالتدريج، وانتخب منها كل زوج بهيج؛ ونزلت الأبراج لأنها أمثال النجوم، وحلقت حتى لا تزداد عليها بتحليق البرق الغيوم؛ وجعلت لاستطلاع الأخبار، وعرف بها من العلم ما لم تؤت مثله الأحبار.
في سائر الحمام مما هب وهدر: وشدت الحمائم على تلك الأفنان، وبكت بكاء آدم وما أخرجت من الجنان؛ قد نبهت بعد هدر كل نائم، وسلت بعد طول سبات كل هائم؛ تارة يغني وتارة تنوح، وتجمجم ويحق لها أن تبوح.
في القطاة: وكم من قطاة علق بها شرك تجاذبه بجناحها وتغالبه بجماحها؛ لا يرد كدر بها كدر الماء، ولا يبعد عليها ثنائي بهماء، ولا يخفى عليها طريق بر مقفر ولا ما به ماء.
في الحجل: وأخرج من الحجل كل متولجة، وأظهر كل متحرجة، وصاد منها كل مخبلة من شدة الخوف ومبنجة؛ وسبى منها كل ذات حلة دكنا موردة، وكل هيفاء غادة خصورها ممنطقة مشددة.
في الدراج: ومن الدراج كل ذات رداء موقوم، وجلباب كأنه أول شفق فيه لآخر رقوم، طابت طعاما، ولم يعدها الصائد إلا أنعاما.
في الغراب: وهو الذي ينعق بالخراب، ويؤذن بالاغتراب؛ وما زال ينمى له الحين، وينسب إلى الفراق ويقال: غراب البين.
في البط: وقد لبست أحسن الرياش، وأكثرت شق الأنهار فأضحى عليها منه مثل الرشاش؛ قد تتوجت بمثل أجنحة الطواويس، وصفقت بأجنحتها فأشبهت أصوات النواقيس؛ وعقفت أذنابها كأنها أطراف قسي البندق التي تصيبها، ولازمت زرقة الجو مما قل منه نصيبها؛ ورضيت بالعلقة من العلق حبا بالقناعة، ووقفت على فرد رجل زيادة في الطاعة.
في الديك: ووثب على أعلا الجدار، والفجر قد هم بالبدار؛ فصفق بالجناح، وشمر ذيله ليخوض غدير الصباح؛ هذا وقد استشاط والتهب، وصاغ له منقارا من ذهب؛ وجناحه قد حسن تكوينه، وحسب من نوار الربيع تلوينه؛ واختال لما صحت نقوشه، واعتدل عليه شربوشه؛ وفضل بلا خلاف، وصفت عينه فلم تعد وصف السلاف.
في الدجاج: وقد أشرف من ذلك الدجاج، على مثل قوارير الزجاج؛ من كل مسمرة الدستبان، منها زهر الفول وسائرهن زهر البستان؛ مطعمات لهن بر ممنون، ومتشابهات كأنهن بيض مكنون؛ كأن في أعرافهن نارا تؤجج، وكأن كل دجاجة منهن بطل مدجج؛ يصلح بهن المزاج، ويكتفى في العلاج؛ أجل ما أكل الصحيح والسقيم، وراق الشرب منهن الديباج الرقيم.